مجلد 19 عدد 19 (2017): المجلة العلمية المحكمة العدد: 19

مجلة جامعة الملكة أروى العدد 19

الافتتاحية: داعش صناعة غربية بامتياز


كثيراً ما يملي الواقع على الكاتب اختيار موضوع كتابته. ولو نظرنا إلى محتويات العدد الحالي، لوجدنا أن ثلثي المواضيع الواردة فيه ذات طابع سياسي، أو هي موضوعات سياسية. وبناء على ذلك رأيت أن تكون افتتاحية هذا العدد في الشأن السياسي، وأول موضوع خطر في ذهني هو الغرب
وعلاقته بالمستعمر القديم. إن لفظ الاستعمار عندما يسمع أو يقرأ أو يكتب لا يشير إلا إلى جهة واحدة، أو إلى منظومة دول واحدة وهي "الغرب" بجناحيه دول أوروبا وأميركا. تمخض عن السلوك الاستعماري لدول الغرب ثنائية المستعمر والمستعمر التي أفرزت في نهاية المطاف إثراء المستعمر وإفقار المستعمر . وإدراكا من الغرب بضرورة إبقاء المستعمر بعد استقلاله في حالة التبعية الدائمة، فقد عمد إلى إشغال المستعمر القديم في مشاكل داخلية معيقة شتى عن التفكير فيما ينهض به ويخرجه عن وضعه المأزوم من ناحية وتجعله يلجأ على الدوام، بطريق مباشر أو غير مباشر إليه، الذي يفوقه حضارة، والذي يمتلك المال
الذي يستخدمه في تحقيق مأربه عن طريق الزعامات السياسية لمنظومة الدولة المستعمرة. لدول الاستعمار القديم احتضان جماعات المعارضة في
ومن بين التكتيكات الاستعمارية دوله. ومن أبرز جماعات المعارضة التي احتضنتها دول الغرب الجماعات الإسلامية، المطاردة في دولها الأصلية. لم يكن وجود الجماعات الإسلامية هذه في المجتمعات الغربية وجوداً عبثيا سلبيا منكفنا أو خانعا ذليلاً، بل وجوداً فاعلاً مثمراً، فقد عملت هذه الجماعات على نشر الإسلام في الوسط الغربي بشكل لم يتوقعه المستعمر القديم، ولم يحسب حسابه بالدقة المطلوبة، حتى أصبح هذا التوسع
الإسلامي يشكل خطراً حقيقياً.
وحتى تعمل دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على تجحيم هذا التوسع المشرومي الكبير للإسلام في دول الغرب، وحتى تعمل على تقليص انتشاره وتوسعه بين الأجيال القادمة كان لابد من إظهار الإسلام بأبشع صورة ممكنة، فكان داعش هو الصورة التي تم هندستها وصناعتها بالشكل المنفر للإسلام، والتي يجب أن تسود وتنتشر في العالم الإسلامي، لتكون الواقع المنفر الشباب
الغرب، بدلا عن الصورة الحقيقية للإسلام، التي اجتذبت آباءهم.


رئاسة التحرير

منشور: 31-12-2017

الرسائل العلمية