مجلد 16 عدد 16 (2016): المجلة العلمية المحكمة العدد: 16
الافتتاحية
تحاول المجتمعات العربية منذُ الأربعينيات من القرن الماضي، بفعل الاحتكاك الثقافي والتفاعل الماشي، تجاوز واقعها الاجتماعي الموغل في التقليدية، واتخاذ الإجراءات والسياسات الكفيلة بإحداث التحول، ولكنها انتهجت دون وعي منها، بدلاً من اعتماد سياسات وإجراءات مدنية وتحديثية، التقليدية في إدارة المجتمع الرامي إلى المدنية والتحديث. فكانت النتيجة أن تعززت الثقافة التقليدية في المدينة العربية، وأصيب المثقف العربي بشيزوفرينيا ثقافية جعلته حداثي الرؤى والتفكير تقليدي السلوك والممارسة.
نتج عن هذا الوضع تغلغل الإحباط في كل مشاريع النهضة الثقافية وازدهار المشاريع المأزومة، والمتمثل في انتشار التيار السلفي، الذي لم يكن له حضور واسع قبل الأربعينيات من القرن الماضي. هذا الفصام الثقافي عكس نفسه وبجلاء تام على معظم إن لم يكن كل مجالات الحياة، ومجال إدارة الدولة على وجه الخصوص. فنجد أن ما يطلق عليه بالفصل بين السلطات لا تتعدى الجانب الخطابي، وأن المناصب في السلطة التنفيذية، مهما صغر شأنها، محكومة بصلات القرابة والمعرفة، أو ما يسمى بأهل الثقة، لا أهل الخبرة، حتى أن مصطلح "الرجل المناسب في المكان المناسب" أصبح له دلالة اجتماعية لا مهنية.
وعلى الرغم من سيادة هذه الثقافة إلا أن مسألة الفصام الثقافي قد بدأت تغلغلها في جوانب كثيرة. إذا نجد أن هناك أبحاثاً يقوم بها الباحثون العرب في العلوم الإنسانية، تعكس وبكل وضوح ثقافة الفصام هذه. ولعل بعض ما ورد في هذا العدد من مجلتنا لخير دليل على ما نقول، وسيلاحظ القارئ والباحث صدق ما نحاول بيانه.
ينبغي التنويه إلى أن هيئة التحرير قد رأت أن يتصدر موضوع "ثورات الربيع العربي" وتأثيرها على التيار السلفي في اليمن باقي الموضوعات، ووضعت موضوع "آلية تعيين القيادات التربوية" في نهاية الموضوعات، وكأن لسان حالها يقول أن هذين الموضوعين بمثابة علامتي تنصيص للاتجاه التقليدي في الثقافة العربية. كما ينبغي التأكيد أن هذا التجاه التقليدي لا يزال في طور التكوين الأولي للمجتمع العربي، ويسيطر بعقلية المثقف العربي التقليدي، وهذا ليس عيباً ولا نقيصة.
أخيراً، أرجو أن يجد القارئ والباحث غايتهما فيما تضمنته مواضيع هذا العدد.
رئاسة التحرير