مجلد 12 عدد 12 (2014): المجلة العلمية المحكمة العدد: 12
يطالعنا هذا العدد من المجلة الجامعة "مجلة جامعة الملكة أروى ، كما جرت العادة، بمجموعة متنوعة من الأبحاث العلمية التي غطت مساحة واسعة من مجالات الحياة الاقتصادية، والإدارية والقانونية والأدبية والفقهية. ومعظم هذه الأبحاث يعطي مؤشراً جيداً لكيفية الاستفادة من
المتغيرات السياسية والاقتصادية لمساعدة المجتمع اليمني ودفعه للسير في طريق النماء. ولفت انتباهي في هذا العدد الموضوع الذي يحمل العنوان : دور القيادة الإدارية في إدارة التغيير والحد من مقاومته، ودفعني لتخصيص هذه الافتتاحية للحديث حول التغير في المجتمع اليمني. هناك كلمتان في عنوان البحث شدتا انتباهي، وهما التغيير ومقاومة التغيير، ويلاحظ القارئ العزيز أني استخدمت كلمة ( التغير) ، ولم استخدم كلمة (التغيير)، التي وردت في عنوان البحث والسبب في ذلك بسيط للغاية، وهو أن التغير فعل طبيعي لا يستدعي تدخل الإرادة الإنسانية، في حين يستدعي الأخير الفعل الإنساني، المتمثل في جهود المجتمع لإحداثه، وهو ما لا ينطبق على المجتمع
اليمني.
وينبغي في بداية الحديث، الإشارة إلى أن موضوع التغير الاجتماعي ليس بجديد، وإنه شغل كثير من العلماء، أمثال ابن خلدون، وماركس، وفيبر، ودوركهايم، وآخرين غيرهم. كما ينبغي لفت الانتباه إلى حقيقة هامة في موضوع التغير، وهي أن عملية التغير كي تحدث، وينتقل المجتمع بموجبها من وضع إلى آخر ، أو من حالة إلى أخرى، لابد من توفر أمرين الأول، تزامن مسار عاملا التغير ( التراكم المادي والنضج الثقافي)، بحيث لا يتسارع التراكم المادي ويتجاوز النضج الثقافي، لأن حدوث ذلك ينتج الإعاقة، عدم الاتزان، أو ما يطلق عليه بالفجوة الثقافية. الثاني، أن يسير المجتمع سيراً طبيعياً يخلو
من أية مشكلات إنسانية ، نزاعات وحروب أهلية ... إلخ. وبالمقابل، فإن الثورات والانتفاضات الشعبية
كثيراً ما تكون عامل تسريع لعملية التغير، وأحياناً ما تكون عامل إعاقة.
وشهد المجتمع اليمني على مدى قرن من الزمان حالتين من التغير الحالة الأولى، كانت في النصف الأول من القرن العشرين، حيث سار التغير في المجتمع سيراً طبيعياً هادئاً ورتيباً. الحالة الثانية، كانت في النصف الثاني من القرن ذاته، خرج التغير عن مساره الطبيعي الرتيب، بفعل ثورة 26 سبتمبر 1962م، وسار بوتيرة متسارعة، مدفوعة برغبة شعبية أصيلة تواقة للتغيير. مع ذلك، وعلى الرغم من الثورة وما أحدثته، وعلى الرغم من الرغبة الشعبية في التغيير، فإن ما شهده المجتمع من تغير لم يكن متوازناً، فقد تسارع التغير في الجانب المادي، وتحقق منه وبه الشيء الكثير، وبقي الجانب الثقافي
على حاله راكداً وساكناً، وإن تحقق فيه شيء من التغير، فقد قضت عليه أحداث المناطق الوسطى. وبناء على ما تقدم، فإن التغير المادي في المجتمع اليمني قد حقق تسارعا زمنيا كبيرا على الجانب الثقافي، يقدر بما لا يقل عن أربعة أجيال، أي ما لا يقل عن مئة وعشرين عاما. وهذا لا يعني سوى أمر واحد وهو أن على المواطن ألا ينتظر أي تغيير يذكر، خلال الفترة المذكورة. مع العلم أن هذهالفترة التقديرية يمكن أن تزيد أو تقل، وما يحدد زيادتها ونقصانها هو عامل الاستقرار من ناحية
وتفاني أبناء المجتمع من ناحية ثانية.
وشهد المجتمع اليمني عام 2011 ثورة شبابية شعبية مفعمة، هي الأخرى، بآمال وطموحات ورغبة أكيدة في التغيير، ولكن الفعل الثوري هذا لم يدم كثيراً، وانتهى بانتهاء رواده. وما يشهده المجتمع اليمني اليوم من أزمات ومواجهات مسلحة، وتكالب على السلطة، وتواري أو اختفاء الرغبة الصادقة المخلصة في الأخذ بيد هذا الوطن المتهالك المنهار ، والوصول به إلى بداية الطريق الصحيح. وهذا يعني أن فترة الأربعة أجيال غير دقيقة، فالمجتمع، وهذا حاله، يحتاج إلى فترة أكثر من ذلك بكثير حتى يشهد تغير في حالته الأولى المبكرة، وما نشهده اليوم من فعاليات ومؤتمرات وندوات ولقاءات محلية
ودولية ليست أكثر من أنوار ليلة العرس التي تختفي اليوم التالي، وكأن شيئا لم يكن. وأرجو ألا يتسرع قارئ هذه السطور، ويحكم بأن ما قيل ليس أكثر من حالة يأس أو إحباط بل إنها قراءة موضوعية وتشخيص دقيق للواقع المعاش، وستكشف الأيام دقة ما تضمنته هذه
الافتتاحية.
أخيراً (أوجه الدعوة للإخوة الباحثين للكتابة حول الإقليمية وكيفية إدارة الإقاليم، لأن إدارة المجلة قد خصصت العدد القادم لها في هذا الموضوع).
رئاسة التحرير