مجلد 10 عدد 10 (2013): المجلة العلمية المحكمة العدد: 10
كانت بدايات التعليم العالي في بعض البلدان العربية مطلع القرن التاسع عشر الذي كان يقتصر على حلقات الدروس في المساجد في العواصم والحواضر ، ومنه ما يرقى إلى مستوى التعليم العالي في مدارس النجف في العراق ، والأزهر في مصر، والزيتونة في تونس والقيروان في فاس ، معنياً بعلوم الدين واللغة ، ومنها ما يعني بالمنطق وعلوم الكلام، اما ما كان منه يعني بالأساليب الحديثة فقد سبقت مصر إليه في عهد محمد علي ، فإنشاء مدارس فنية للشؤون الهندسية ولتعليم اللغات لأغراض الجيش والدواوين الحكومية ، كما أرسل البعثات إلى أروبا . وتجدد الاهتمام بهذه المدارس في عهد إسماعيل، فكان بين ما عني به ديوان المدارس ، و تجديد مدارس الطب ومدرسة المهند سنحانه (1866) وإنشاء مدرسة الإدارة والألسن أقرب ما تكون إلى كلية الحقوق (1867) وإنشاء دار العلوم (1871) بتخريج معلمي اللغة العربية والدين وأضيف إليها عند مطلع القرن العشرين دار المعلمين العليا لتخريج المعلمين للعلوم الاجتماعيةوالطبيعية والرياضيات وتلاها إنشاء مدرسة القضاء الشرعي لتخريج القضاة في المحاكم الشرعية إلى جانب ما تخرج منهم من الأزهر ، كما كانت هناك كلية فرنسية للحقوق . جميع هذه المعاهد العالية ذات الطبيعة المهنية ، وإنما نشأت في القاهرة سنة (1906) جامعة أهلية تتصدى لتعليم الجامعي بمفهوم عام ، ولآكنها اقتصرت على كلية الآداب تجمع بين الآداب العربية وآداب بعض اللغات الأجنبية ، وعلى الفلسفة ، وشملت دراساتها محاضرات في التربية وعلم النفس ، وكان بعض اساتذتها من الأجانب وبعضهم من المصريين ، ومن أولئك بعض المستشرقين وعلى رأسهم (نايلون) الإيطالي ، وهي الجامعة التي ألتحق بها طه حسين وحصل منها على شهادة الدكتوراه سنة (1914) بأطروحته في (أبي العلاء المعري ) ، وواصل دراسته بعدها في فرنسا في الحرب العالمية الاولى فتخرج من السوربون في باريس بأطروحته عن أبن خلدون ، وعاد إلى مصر لتدريس الأدب العربي ، فكان من اصحاب القيادات الناشطة في هذه الحقبة وقد أصبحت تلك الجامعة الأهلية بكلية آدابها نواة لإنشاء جامعة رسمية سنة (1925) ضمت إليها الكليات الأخرى مثل الحقوق والطب والهندسة وهي الكليات الرسمية ، وأنشئت معها كلية لعلوم الطبية والرياضيات ، فصارت جامعة شاملة للعلوم الإنسانية والطبيعية والعلوم التطبيقية ذات الطبيعة المهنية على السواء ، وسميت جامعة فؤاد الأول باسم ملك مصر ، فكانت منارة للمعرفة الحديثة على المستوى الجامعي يؤمها الطلبة من البلدان العربية من البعثات الرسمية وسواهم ، ومصدر لتيارات فكرية ظلت تتولى اثارها في الوطن العربي وكان للبنان مشاركة لمصر في السابق لإنشاء معهد للتعليم العالي ، غلى أنها نشئت بجهود الإرساليات التبشيرية وكانت المبادرة فيها للإرساليات الإنجليزية على المذهب البروتستانتيين من الأمريكيين ، الذين أسسو الكلية السورية الإنجيلية (1866) في الآداب والعلوم فكانت أول معهد عالي على الأساليب الحديثة في لبنان وأصبحت نواه لماعرفت بالجامعة الأمريكية في بيروت حيث ضم إليها كلية للطب (1867) وكلية للصيدلة (1878) وكلية للتجارة (1900) وكلية للتمريض والمستشفى (1902) فكانت أول جامعة بصيغتها الحديثة تنشأ في الوطن العربي وكانت اللغة العربية لغة التدريس فيها أولاً ، ثم أصبحت الانجليزية منذ سنة 1880 لغة التعليم فيها ، وسرت العدوى إلى الإرساليات الكاثوليكية من اليسوعيين ، فأنشئوا سنة 1875 معهد للعلوم اللاهوتية والفلسفية ، فكان نواة جامعة القديس يوسف ، فأصبح لها لحق في منح الدرجة الجامعية الاولى ودرجة الدكتوراه سنة 1881 ، ثم توالى تأسيس كليات أخرى ، شملت الطب (1883) والصيدلة (1888) ومدرسة اللغات الشرقية (1902) وكلية الحقوق (1913) والهندسة (1919) ومعهد الدروس الشرقية (1937) ، وكانت لغة التدريس اللغة الفرنسية واللغة اللاتينية ماعدا بعض الدروس الشرقية . وفي مصر تطورت الكلية الأمريكية ونشأت في مطلع القرن إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة . ونشات الجامعة السورية في دمشق في كلية للحقوق وكلية للطب في مطلع العشرينيات وتميزت بجعل اللغة العربية هي لغة التدريس حتى في كلية الطب نفسها. ونشأت في العراق كلية للحقوق باسم مكتب الحقوق في بغداد ، في العهد العثماني 1908 ، تجددت في مطلع العشرينيات ، وتأسست سنة 1923 دار المعلين العالية بدراسات مسائية لإعداد مدرسي مدارس الثانوية ، اصبحت نهارية سنة 1927 ، وأنشأت في تلك السنة كلية الطب ، وقد أغلقت دار المعلمين العالية في مطلع الثلاثينيات ولكنها ما لبثت أن عادت مجددا سنة 1935 ، كما جددت في تلك السنة كلية الحقوق ، وأنشئت مدرسة للهندسة في خلال الثلاثينيات . تتابع بعد هذه الحقبة إنشاء كليات آخري ، ولكنها ضلت متفرقة لا تضمها جامعة واحدة حتى سنة 1975 حين تأسست جامعة بغداد ، تجمع ما تفرق من الكليات إذاك ، ويبدو أن تأخر تأسيساها جاء لأسباب سياسية ، منها نزعة الإدارة المركزية لوزارة المعارف على الكليات ، وخشية استقلال الجامعة بعيده عنها ، وحذرا من الحركات الطلابية فيها ، وعرفت فلسطين الكلية العربية ودور المعلمين . ونشأت في الجزائر سنة 1912 جامعة لكنها ظلت تقتصر على أبناء المستوطنين الفرنسيين في خلال هذه الحقبة .
وتجدر الإشارة على أن جميع هذ المؤسسات ، بعددها وتنوعها ومستوياتها وبإعداد طلابها وأعضاء هيئة التدريس ، تمثل نقلة ملحوظة لاسيما بعد تأسيس الحكومات الوطنية في أعقاب الحرب العالمية الأهلي عما كانت عليه في مطلع هذه الحقبة.