مجلد 9 عدد 9 (2012): المجلة العلمية المحكمة العدد: 9
الحرية الأكاديمية ضرورة تربوية واجتماعية ملحة للمؤسسات التعليمية، خصوصاً للجامعة، لأن في ظلها ينمو الفكر، وتزدهر الثقافة، وتبرز المواهب، والهدف الرئيس للحرية الأكاديمية هو دعم العطاء العلمي، وإزالة العقبات التي تحول دون انتشار النشاط العلمي والبحثي الحر في الإطار الذي يوفر حرية التفكير والتعبير والاعتقاد. ولتحديد معنى مفهوم الحرية الأكاديمية لابد من فهم معنى (الحرية) والأكاديمية. أن الحرية تعني غياب القيود الغير المناسبة وممارسة الفرد لحقوقه وطاقاته. كما تعني استقلالية الإنسان وممارسته لحرية الإدارة وتقرير المصير. أما (الأكاديمية) فهي لفظة ظهرت لأول مره عند الإغريق في العام 367ق.م عندما انشأ أفلاطون مؤسسة للتعليم العالي أطلق عليها أسم (أكاديميا)، وتعني الدراسات التجريدية المبنية على المفاهيم والنظريات والأفكار. وقد أصبحت كلمة أكاديمي تطلق على ما يختص بجامعه أو كلية، إن الحرية الأكاديمية تعني غياب القيود والأوامر والإجبار والقهر عن نشاطات البحث والدراسة والتدريس في الجامعات ومراكز البحث.
وعناصر الحرية الأكاديمية هي ثلاث عناصر رئيسية تبدأ بحرية أعضاء الهيئة التدريسية، وتشمل حريتهم في البحث عن الحقيقة وحقهم في نشرها وتعليمها وإتاحة الفرصة لهم لمتابعة المعرفة والحوار والنقاش والإنتاج و إلقاء المحاضرات على طلبتهم، وتمكينهم من وصف المواد التي يقومون بتدريسها وتحديد الكتب المقررة منها. ونشر أبحاثهم ليطلع عليها زملائهم، ومن العناصر الأخرى ضمان الأمن الوظيفي والاقتصادي لهم عبر طرق ووسائل منها (نظام التثبيت) الذي يضمن للأعضاء هيئة التدريس الاستقرار الوظيفي، ومن مظاهر الحرية الأكاديمية الحق في توجيه النقد للبرامج التعليمية والتنظيمات الإدارية والسياسية الجامعية واقتراح التعديلات المناسبة بشأنها، والمشاركة في القرارات الخاصة بالتعيينات الأكاديمية والإدارية، والحق في إيصال المقترحات التي تتعلق بالمصلحة العامة إلى السلطات العليا بالجامعة من خلال القنوات المناسبة، ومن عناصر الحرية الأكاديمية الأخرى الاستقلال الإداري للجامعة، أي حقها بإدارة شؤونها الإدارية، مثل تعين أعضاء الهيئة التدريسية وباقي العاملين وترقياتهم وفصلهم من دون تدخل من أحد. وحق الجامعة في إدارة أموالها وأنفاقها وفق أنظمة ولوائحها وتعليماتها دون تدخل خارجي، ومن عناصر الحرية الأكاديمية الاستقلال الثقافي في حق الجامعة في تنظيم برامجها التعليمية ومناهجها واختيار طرق تدريسها بحرية، فالجامعة لا يمكن لها القيام بدورها التنويري الذي يتمثل بنشر المعرفة التنويرية وتنشيط قواها لإحداث التغيير الإيجابي ومحاربة التخلف إلا في إطار الحرية الفكرية والاستقلال بعيداً عن التبعية بكل صورها.
وهناك عنصر آخر مهم من عناصر الحرية الأكاديمية، وهو (حرية الطلاب) أي حريتهم في تكوين استنتاجاتهم بناء على دراساتهم والتعبير عن أرائهم ، والمشاركة في تقرير ما يدرسونه واختيار تخصصاتهم وفق ميولهم، ورغباتهم ومؤهلاتهم، كما تشمل حرية الطلاب الأكاديمية حقهم في الإبداع، ومراعاة استعدادهم وقدراتهم وتوفير الحرية و العدل والمساواة، وتكافؤ الفرص لهم وتنظيم أنواع مختلفة من النشاطات لهم.
إن واقع الحرية الأكاديمية في كثير من الجامعات العربية يشوبه غموض في معناها وضعف حرية الأستاذ الجامعي في البحث العلمي والتدريس، إضافة إلى أن هناك بعض الجامعات ويبدو واضحاً فيها التسلط الإداري الجامعي وضعف الاستقلال الإداري والمالي، إضافة إلى ضعف الحرية الأكاديمية للطلاب.
إن تطوير الحرية الأكاديمية يعد خطوة رئيسية نحو تطور الجامعات العربية.
رئاسة التحرير