مجلد 8 عدد 8 (2012): المجلة العلمية المحكمة العدد: 8
عزيزي الباحث/ القارئ
كنت قد هممت بكتابة افتتاحية هذا العدد للتحدث عن العقلية الموسوعية التي برزت في أحد مواضيعه، لكني عدلت عن ذلك، وأثرت الكتابة حول موضوع أخر يتعلق بمخرجات التعليم العالي: الجامعي والدراسات العليا، والدراسات العليا على وجه الخصوص، وعلاقة ذلك بالمجتمع.
يشهد المجتمع اليمني، في السنوات الأخيرة، إقبالاً متزايداً على برامج الدراسات العليا: ماجستير ودكتوراه، وهذا أمر طبيعي ويبشر بالخير الوفير. ويمكنني القول، بأن استمرار الطموح نحو الدراسات العليا سيجعل الأعداد المتخرجة تضاهي مخرجات التعليم الجامعي الأولي(البكالوريوس)، وهذا أمر طيب، إلا أن مردوده المجتمعي مع الأسف محدود للغاية.
وتتضح المحدودية المجتمعية لخرجات الدراسات العليا، إذا ما تأملنا طبيعة الاستثمار فيه، فهي ضعيفة جداً إلم تكن معدومة. فالاستثمار المجتمعي للتعليم يقل كلما ارتفع المستوى التعليمي، وذلك وفقاً لطبيعة المجتمع، فإذا كان المجتمع بسيطاً ريفياً أو قبلياً، كمجتمعنا اليمني، كان الاستثمار في التعليم العالي غير مجدٍ، لأنه يصبح استثماراً فردياً وغير مجتمعي، العكس صحيحاً، في حالة المجتمع الصناعي العلمي، فالاستثمار في التعليم فيه فردياً ومجتمعياً في آن واحد.
وانطلاقاً من هذه القاعدة الاستثمارية، فإن مخرجات الدراسات العليا تثقل كاهل المجتمع الريفي القبلي، وتخدم المجتمع الصناعي العلمي. فإذا ما كانت هذه المخرجات عالية الكفاءة والقدرة وعليها طلب من المجتمع الصناعي، فإنها تغادر مجتمعها الريفي وتتوجه إلى المجتمع الصناعي الأكثر حاجة لها (هجرة العقول). أما إذا كان تأهيلها محدوداً وليس لها منه سوى الشهادة أو اللقب العلمي، فإنها تشكل إحراجاً سياسياً للمجتمع الذي تعيش فيه، في حالة عدم استعابهم وظيفياً. وهي أيضاً عبء مالي لا مبرر له، إن هو استوعبها وضمها إلى مؤسساته الخدمية، فهي تأخذ أكثر مما تعطي.
وقد يقول قائل، بأن هذا الكلام ضعيف وغير دقيق وغير علمي، وإني أحيل هذا القائل إلى الإطلاع على أدبيات التعليم العالي من ناحية، وإلى إلقاء نظرة على وضع حاملي الدكتوراه في مجتمعنا اليمني الذين يتجمعون بين الفينة والأخرى أمام رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومجلس النواب، مطالبين باستيعابهم دون أن يفكروا ولو للحظة واحدة إن كانت هناك حاجة فعلية لهم. كما أتمنى عليه دراسة واقع الجامعات اليمنية، التي وخلال أكثر من ثلاثة عقود لم تفد المجتمع اليمني شيء واحد، سوى مضاعفة المخرجات التي لا يستوعبها السوق المحلي التقليدي القائم على الخدمات وزيادة الإحراج السياسي للدولة.
أخيراً، أرجوا وأدعو الإخوة الباحثين أن يكرسوا جهدهم في دراسة العائد المجتمعي للجامعات اليمنية. فإذا ما وصلتنا هذه الدراسات، فإني أعد هنا أن أجعل العدد القادم من هذه المجلة مكرساً لنشر هذه الدراسات. وإني لشديد الثقة بأن نتائج هذه الدراسات التي سيقومون بها، إن أجريت، ستكون علامة فارقة في الحياة السياسية، والاقتصادية، لمجتمعنا اليمني، الذي كلنا يأمل في رقيه وتطوره.
نائب رئيس التحرير